بتاريخ الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، قمت باتخاذ خطوة مهمة لحماية الديمقراطية الناشئة التي نقوم برعايتها في العراق· فبالنيابة عن مجلس الحكم العراقي، قمت بحظر استخدام قناة العربية الفضائية لتسهيلات البث الفضائي، اللازمة لنقل الأخبار والتقارير من مكتبها في بغداد وذلك بصفة مؤقتة·
منذ ذلك الوقت، سمعت المئات من الأسئلة التي تدور حول المحور التالي: كيف يمكنكم ادعاء أنكم تقومون بتعزيز الديمقراطية ثم تقومون بخنق الصحافة؟·
نحن لا نعمل ضد الصحافة الشرعية والموضوعية، وإنما نقوم باتخاذ خطوات للحيلولة دون وقوع حرب نفسية، وللحيلولة دون- وهذا هو الأهم - التحريض على القتل· وليس هناك بلد يمكن أن يقوم بأقل مما قمنا به·
علاوة على ذلك، في حين أننا قمنا بمنع القناة من إذاعة الأشرطة المصورة من بغداد، فإننا لم نمنعها من الاستمرار في جمع الأخبار·
ما الذي دعانا إلى هذا الإجراء؟ الذي دعا إلى ذلك هو القرار الذي اتخذته العربية بكامل وعيها بخرق القانون العراقي، وخرق التعهد الجاد الذي قطعته على نفسها بعدم الترويج للعنف في بلدنا·
ففي السادس عشر من نوفمبر أذاعت العربية ما زعمت أنه شريط صوتي لصدام حسين· ولعلنا جميعا نعرف إرث صدام الرهيب، بما في ذلك مسؤوليته عن الموت غير المبرر للملايين من أبناء بلدي، ومسؤولياته عن التعذيب والإعدامات، والتدمير الفعلي للاقتصاد العراقي·
ماذا قال صدام في هذا الشريط؟ لقد دعا إلى القضاء على مجلس الحكم العراقي وعلى قوات التحالف التي حررتنا، والتي تساعدنا الآن على إعادة بناء بلدنا·
على رغم أن صدام حسين هارب من العدالة ومطلوب لمحاكمته على جرائم القتل الجماعي، فإن قناة العربية ارتأت أن تقوم بمنحه ميكروفوناً مفتوحاً لإذاعة نداءاته الداعية إلى الإرهاب· وهنا قد يتساءل البعض : ولكن ألم تقم الفضائيات الأخرى بإذاعة تقارير خبرية عن الشريط نفسه؟· نعم ، قامت وسائل الإعلام الأخرى- بما في ذلك القنوات الفضائية العربية بإذاعة تقارير عن هذا الشريط، ولكن العربية هي التي أذاعت الشريط الذي امتد 17 دقيقة بأكمله ، في حين أن القنوات الأخرى أذاعت مقتطفات منه· كما أن العربية هي التي قامت أولا باختيار إذاعة الشريط، وكل ما قامت به وسائل الأعلام الأخرى هو أنها حذت حذوها·
إن صدام حسين يحاول زرع الرعب في قلوب العراقيين الذين يريدون تبني مستقبل ديمقراطي· فهو يدعو إلى اغتيال زملائي في مجلس الحكم، وهم من الشخصيات الملتزمة بالعمل من أجل بناء عراق ديمقراطي يقوم على احترام حقوق الإنسان· إنه يريد أن يتم ذبح قوات التحالف لأنها تجرأت على الإطاحة به· الأخطر من ذلك ، هو أنه يحاول التحريض على العنف باسم الدين داعيا إلى الجهاد مما يعد تشجيعا لـالقاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية كي تقوم بتنفيذ هجمات انتحارية ضد أصدقائنا في الصليب الأحمر، والأمم المتحدة، وضد حلفائنا في التحالف·
إذن ما قامت به العربية لا يدخل في باب الصحافة، وإنما هو في رأيي يعد نوعا من المساعدة للأنشطة الإرهابية الإجرامية، ودعم وتحريض عليها·
ونحن بدورنا، نمارس واحداً من الحقوق الخاصة التي نمتلكها وهو حرمان قناة العربية من استخدام الموجات الفضائية لإذاعة التقارير الإخبارية من بغداد· وما قمنا به ليس إلا خطوة متواضعة، ومحسوبة·· وهي خطوة يمكن إلغاؤها فيما إذا ما قامت العربية بالتأكيد لنا أنها لن تقوم بعد الآن بالانغماس في أعمال وتصرفات تحرض على العنف والإرهاب·
لقد حذرنا العربية مرارا وتكرارا من أن القناة في تقديرنا، تنخرط في نوع من الصحافة الاستفزازية وغير المسؤولة·
ولقد سمعنا وعودا بتبني نهج سلوكي أفضل· ليس هذا فحسب بل إنني قرأت رسالة من وليد بن إبراهيم الإبراهيم رئيس مجلس إدارة العربية زعم فيها ما يلي: إننا -أي قناة العربية- لا نذيع مواد توفر منبراً لأي جماعة أو حزب، أو مواد نعتبر أنها تمثل نوعا من الدعاية الصريحة لحزب بعينه، أو مواد لسنا متأكدين من صحتها، أو مواد يعتبرها المشاهد نوعا من الدعاية الخالصة لطرف من الأطراف· وسؤالي هنا: أليست إذاعة شريط لصدام حسين تعتبر دعاية صريحة لطرف معين، وإذا لم تكن كذلك ، فما هي إذن؟
جلال طالباني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عضو مجلس الحكم العراقي والأمين العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست